المُكابرة طريق العُزلة، والقبول طريق المُصالحة مع الآخرين

الياس كساب
جريدة الحرة ـ بيروت
كم كان حزيناً ومؤلماً مشهد الشباب الشيعة على “الموتوسيكلات” يجوبون الشوارع، يُفرغونَ غضبَهم “المذهبي”، ونحن نتفهّمهم، فهؤلاء استشهد رفاقهم، وإخوتهم، وتشرّد أهلهم، وتدمّرت قُراهم، وباتوا هدفاً يوميّاً سهلاً للإسرائيلي يغتالُ مُقاوميهم!
فالإنكار لدى “مرشديهم”، جعلَ من الهزيمة نصراً، وأقنعهم بأنّ “المقاومة” بخير، رغم مقتل قياداتها، وانقطاع إمداداتها، وتهاوي تحالفاتها، والإنكار، في عمليّة الهروب إلى الأمام، تضليل لبيئة دفعت الثمن الأكبر، وملاذٌ وهميّ ونفسيّ كثيف، يحمي القيادات من المُساءلة، ويحشد “الجماهير” بخطاب الانتصار، فمن الصعب الاعتراف، بأنّ هزيمة حزب الله ليست حدثاً عسكريّاً فحسب، بل زلزالاً اجتماعيّاً وسياسيّاً داخل البيئة الشيعيّة في لبنان، فبعد عهد “الانتصارات” يجد جزءٌ واسع من “أهل المُقاومة” أنفسهم فجأةً أمام مشهدٍ جديد: سقوط الرموز، وانهيار النفوذ، وتراجع الهيبة التي كان السلاح يمنحها.
على أثر انتصار الدولة لسيادتها، بعد قرار حصر السلاح من قبل الحكومة اللبنانية، انفجرت ردود الفعل الغاضبة، واستفحل الخطاب المُتشنّج، وعلا الصراخ لتعويض الشعور بالضعف وفقدان السيطرة، دون إدراك أنّ الصُراخ لا يوقف مسار التحوّلات التاريخيّة، وأنّ نظريّة “المظلوميّة” ساقطة، لأنّ البلد كله مظلوم، ونظريّة “المؤامرة” قديمة، قِدم الديكتاتوريات في هذا الشرق، والتي ما زالت تغامر بدماء الشعوب، و”فشة الخلق” لا تُغيّر واقع أنّ زمن “المقاومة الإلهيّة” انتهى، ولمن لا يُصدّق فليسمع صوت صراخه في الفراغ!
إنّ التمسك بالوهم لا يغيّر حقيقة الهزيمة، والصراخ لن يُعيد النفوذ المفقود، ولن يُهيل الكرامة المجروحة.
وحده القبول، يفتح باب المُصالحة، والمصارحة، مع الذات أوّلاً، ومع الآخرين ثانياً، فما يحصل اليوم في البيئة الحاضنة لحزب الله، حصل أيضاً في البيئات الحاضنة لـ”الميليشيات” المذهبيّة والطائفيّة الأخرى في لبنان، فعبرت من الإنكار والصراخ إلى النقد الذاتي أولاً، ومن ثمّ القبول، للعبور إلى الدولة، هذا ما حصل مع المسيحيّين بعد استشهاد بشير الجميّل، وهذا ما حصل مع الدروز بعد استشهاد كمال جنبلاط، وأيضاً مع السُنّة بعد استشهاد رفيق الحريري، وهذا ما يجب أن يحصل مع الشيعة بعد استشهاد حسن نصرالله!
وحده القبول، يفتح باب المُصالحة، والمصارحة، مع الذات أوّلاً، ومع الآخرين ثانياً، فما يحصل اليوم في البيئة الحاضنة لحزب الله، حصل أيضاً في البيئات الحاضنة لـ”الميليشيات” المذهبيّة والطائفيّة الأخرى في لبنان، فعبرت من الإنكار والصراخ إلى النقد الذاتي أولاً، ومن ثمّ القبول، للعبور إلى الدولة، هذا ما حصل مع المسيحيّين بعد استشهاد بشير الجميّل، وهذا ما حصل مع الدروز بعد استشهاد كمال جنبلاط، وأيضاً مع السُنّة بعد استشهاد رفيق الحريري، وهذا ما يجب أن يحصل مع الشيعة بعد استشهاد حسن نصرالله!
المسيحيّون والسُنّة والدروز أخرجوا سوريا من لبنان، وعلى الشيعة أن يُخرجوا إيران، فتخرج إسرائيل بوحدة الموقف اللبناني خلف الدولة وجيشها، لا عبر مشروع ميليشيوي خاسر، عقيدته من خارجِ الزمن، وقراره بيدِ من رهن!
مرحلةُ القبول هي الأصعب، ولن يخرج الشيعة من شارع الغضب حتى الدخول إلى الساحة المُشتركة، ساحة الحريّة!
باحث سياسي واغترابي/تورونتو
نقلا عن الحرة